الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين **
فيه خمسة أطراف: الطرف الأول السبب والواجب في إهلاك النفس وما دونها كما يجب بالمباشرة يجب بالتسبب وقد سبق أن مراتب الشيء الذي له أثر في الهلاك ثلاث وهي: العلة والسبب والشرط وضابطه أن يقال ما يحصل الهلاك عنده أو عقبه إن كان هو المؤثر في الهلاك فهو علة للهلاك وتتعلق به الدية لا محالة وإن لم يكن هو المؤثر فإن توقف تأثير المؤثر عليه كالحفر مع التردي تعلقت به الدية أيضاً وإن لم يتوقف لم تتعلق به الدية بل الموت عنده اتفاقي ثم فيه مسائل أحدها: صفعه صفعة خفيفة فمات فلا ضمان للعلم بأنه لا أثر لها في الهلاك الثانية: صاح على صبي غير مميز على طرف سطح أو بئر أو نهر فارتعد وسقط ومات منه وجبت الدية قطعاً ولا قصاص على الأصح وقيل: الأظهر ومن أوجب يدعي أن التأثر به غالب ولو كان الصبي على وجه الأرض فمات من الصيحة فقيل: هو كالسقوط من سطح والأصح أنه لا ضمان لأن الموت به في غاية البعد ولو صاح على بالغ على طرف سطح ونحوه فسقط ومات فلا قصاص وفي الضمان أوجه أصحها: لا يجب والثاني: يجب والثالث إن غافصه من ورائه وجب وإن صاح به من وجهه فلا ولو صاح على صغير فزال عقله وجب الضمان وإن كان بالغاً فعلى الأوجه الثلاثة والمجنون والمعتوه والذي تعتريه الوساوس والنائم والمرأة الضعيفة كالصبي الذي لا يميز والمراهق المتيقظ كالبالغ وشهر السلاح والتهديد الشديد كالصياح ولو صاح على صيد فاضطرب منه الصبي على طرف السطح وسقط وجب الضمان لكن الدية والحالة هذه تكون مخففة على العاقلة وفيما إذا قصد الصبي نفسه تكون مغلظة على العاقلة وقياس من يوجب القصاص أن تجب مغلظة على الجاني وعن صاحب التلخيص أن الصائح إن كان محرما أو في الحرم تعلق بصيحته الضمان لتعديه وإلا فلا وذكر على قياسه أنه لو صاح على صبي في ملكه لم يجب الضمان تشبيها بما لو حفر بئرا في ملكه فسقط فيها رجل والأصح أنه لا فرق. إذا بعث السلطان إلى امرأة ذكرت عنده بسوء وأمر بإحضارها فأجهضت جنيناً فزعاً منه وجب ضمان الجنين ولو كذب رجل فأمرها على لسان الإمام بالحضور فأجهضت فالضمان على عاقلة الرجل ولو هددها غير الإمام حاملاً وأجهضت فزعا فليكن كالإمام لأن إكراهه كإكراه الإمام ولو ماتت الحامل المبعوث إليها أو بعث الإمام إلى رجل ذكر بسوء وهدده ومات فلا ضمان على الصحيح لأنه لا يفضي إلى الموت وفي النهاية أنه يجب. فرع لو فزع إنساناً فأحدث في ثيابه فأفسدها فلا ضمان. الطرف الثاني فيما يغلب إذا اجتمعت العلة والسبب أو الشرط فحفر البئر شرط أو سبب والتردي علة فإذا اجتمعاً نظر إن كانت العلة عدوانا بأن حفر بئرا فردى فيها غيره إنسانا فالقصاص والضمان يتعلقان بالتردية ولا اعتبار بالحفر معها وإن لم تكن العلة عدوانا بأن تخطى شخص الموضع جاهلاً فتردى فيها وهلك فإن كان الحفر عدواناً تعلق الضمان به وإلا فلا ضمان. فرع وضع صبياً في مسبعة فافترسه سبع نظر إن كان يقدر على الحركة والانتقال عن موضع الهلاك فلم يفعل فلا ضمان على الواضع كما لو فتح عرقه فلم يعصبه حتى مات وإن كان لا يقدر على الانتقال فلا ضمان أيضاً على الأصح وبه قطع الأكثرون لأن الوضع ليس بإهلاك ولم يوجد منه ما يلجىء السبع إليه فإن كان الموضوع بالغا فلا ضمان قطعاًويشبه أن يقال الحكم منوط بالقوة والضعف لا بالصغر والكبر. فرع لو اتبع إنساناً بسيف فولى المطلوب هارباً فألقى نفسه في نار أو ماء أو من شاهق أو من سطح عال أو في بئر فهلك فلا ضمان لأنه باشر إهلاك نفسه قصداً والمباشرة مقدمة على السبب فلو لم يعلم بالمهلك فوقع من غير قصد في النار أو الماء أو من الشاهق والسطح بأن كان أعمى أو في ظلمة الليل أو في موضع مظلم أو في بئر مغطاة وجب على المتبع الضمان ولو استقبله سبع في طريقه فافترسه أو لص فقتله فلا ضمان على المتبع بصيراً كان المطلوب أو أعمى لأنه لم يوجد من المتبع إهلاك ومباشرة السبع العارضة كعروض القتل على إمساك الممسك لكن لو ألجأه إليه في مضيق وجب الضمان على المتبع ولو انخسف به سقف في هربه وجب الضمان على الأصح المنصوص وهو الذي أورده العراقيون ولو ألقى نفسه على السقف من علو فانخسف به لثقله فهو كما لو ألقى نفسه في ماء أو نار وما ذكرناه من سقوط الضمان عن التبع إذا ألقى المطلوب نفسه في ماء أو نار أو من سطح قصدا أردنا به العاقل البالغ أما إذا كان المطلوب صبياً أو مجنوناً فيبنى على أن عمدهما عمد أم خطأ إن قلنا: خطأ ضمن وإلا فلا. فرع سلم صبي إلى سباح ليعلمه السباحة فغرق وجبت فيه دية شبه العمد على الصحيح كما لو ضرب المعلم الصبي للتأديب فهلك وقيل: لا ضمان كما لو وضعه في مسبعة ويجري الخلاف فيما لو كان الولي يعلمه السباحة بنفسه فغرق ولو أدخله الماء ليعبره به فالحكم كما لو ختنه أو قطع يده من أكلة فمات منه كذا ذكره المتولي ولو سلم بالغ نفسه ليعلمه السباحة ففي الوسيط أنه إن خاض معه اعتمادا على يده فأهمله احتمل أن يجب الضمان والذي ذكره العراقيون والبغوي أنه لا ضمان لأنه مستقل وعليه أن يحتاط لنفسه ولا يغتر بقول السباح.
والحفر يقع في مواضع أحدها: إذا حفر في ملك نفسه فلا عدوان فلو دخل ملكه داخل بإذنه وتردى فيه لم يجب ضمانه إذا عرفه المالك أن هناك بئراً أو كانت مكشوفة والداخل متمكن من التحرز فأما إذا لم يعرفه والداخل أعمى أو الموضع مظلم ففي التتمة أنه كما لو دعاه لطعام مسموم فأكله ولو حفر بئرا في دهليز داره ودعا إليها رجلاً فتردى فيها ففي الضمان قولان سبقا في أول الجنايات أظهرهما الوجوب وقيل: إن كان الطريق واسعا وعن البئر معدل فقولان وإن كان ضيقا فقولان مرتبان وأولى الوجوب وعلى هذا قياس تقديم الطعام المسموم وأطعمة فيها طعام مسموم. الموضوع الثاني: إذا حفر في موات للتملك أو للارتفاق بالاستقاء منها فلا ضمان لأنه جائز كالحفر في ملكه وعلى هذا يحمل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح البئر جبار. الثالث: إذا حفر في ملك غيره نظر إن حفر بإذن المالك فهو كحفره في ملكه وإن حفر بغير إذنه تعلق به الضمان لكونه عدواناً وتكون الدية على العاقلة ولو هلك به دابة أو مال آخر وجب الضمان في ماله وهل يجعل رضى المالك ببقاء البئر المحفورة كرضاه بالحفر وجهان سبقا في الغصب أصحهما: نعم ولو كان الحافر عبداً فالضمان يتعلق برقبته فلو أعتقه السيد فضمان من يتردى بعد العتق يتعلق بالعتيق ولو حفر في ملك مشترك بينه وبين غيره بغير إذن الشريك تعلق به الضمان أيضاً لأنه لا يجوز الحفر في المشترك وإذا حفر في ملك الغير متعديا ودخله رجل بغير إذن الرابع: إذا حفر في شارع نظر إن كان ضيقا يتضرر الناس بالبئر فيه وجب ضمان ما هلك بها سواء أذن الإمام أم لا وليس للإمام الإذن فيما يضر وإن كان لا يتضرر بها لسعة الشارع أو انعطاف موضع البئر نظر إن كان الحفر لمصلحة عامة كالحفر للاستقاء أو لاجتماع ماء المطر فإن أذن فيه الوالي فلا ضمان وإلا فالأظهر الجديد أنه لا ضمان وأشار في القديم إلى وجوبه وإن حفر لغرض نفسه فإن كان بغير إذن الإمام ضمن وإلا فلا على الأصح وبه قطع العراقيون والمتولي والروياني وهذا جار على ما سبق في إحياًء الموات أن الأصح الذي عليه الأكثرون أنه يجوز أن يقطع الإمام من الشوارع ما لا ضرر فيه وأن للمقطع أن يبني فيه. فرع الحفر في المسجد كالحفر في الشارع فلو بنى مسجداً في شارع لا يتضرر به المارون جاز فلو تعثر به إنسان أو بهيمة أو سقط جداره على إنسان أو مال فأهلكه فلا ضمان إن كان بإذن الإمام وكذا إن لم يكن بإذنه على الأظهر الجديد ولو بنى سقف مسجد أو نصب فيه عماداً أو طين جداره أو علق فيه قنديلا فسقط على إنسان أو مال فأهلكه أو فرش فيه حصيراً أو حشيشاً فزلق به إنسان فهلك أو دخلت شوكة منه في عينه فذهب بها بصره فإن جرى ذلك بإذن الإمام أو متولي أمر المسجد فلا ضمان وإلا فلا ضمان أيضاً على الجديد الأظهر. ونقل البغوي عن أبي إسحاق أنه إن لم قلت: قال البغوي: ومثل هذا لو وضع دنا على بابه ليشرب الناس منه فإن وضعه بإذن الإمام لم يضمن ما تلف به وإلا ف وجهان يعني أصحهما لا ضمان بخلاف ما لو بنى دكة على باب داره فهلك بها شيء فإنه يضمن لأنه فعله لمصلحة نفسه. والله أعلم.
وفي ملك نفسه والقول في التصرف في الشارع سبق بعضه في الصلح وفي إحياء الموات ويذكر هنا بقيته إن شاء الله تعالى. المسألة الأولى: لا يجوز إشراع الأجنحة التي تضر بالمارة إلى الشارع فلو فعل منع وما يتولد منه من هلاك يكون مضموناً فإن كان الجناح عالياً غير مضر فلا منع من إشراعه وكذا بناء الساباط العالي لكن لو تولد منه هلاك إنسان فهو مضمون بالدية على العاقلة وإن هلك به مال وجب الضمان في ماله ولم يفرقوا بين أن يأذن الإمام أم لا ولو أشرع جناحا إلى درب منسد بغير إذن أهله ضمن المتولد منه وبإذن أهله لا ضمان كالحفر في دار الغير بإذنه. الثانية: يتصرف كل واحد في ملكه بالمعروف ولا ضمان فيما يتولد منه بشرط جريانه على العادة واجتناب الإسراف فلو وضع حجراً في ملكه أو نصب شبكة أو سكيناً وتعثر به إنسان فهلك أو على طرف سطحه فوقع على شخص أو على مال أو وضع عليه جرة ماء فألقتها الريح أو ابتل موضعها فسقطت فلا ضمان وكذا لو وقف دابة في ملكه فرفست إنسانا أو بالت فأفسدت به ثوباً أو غيره مما هو خارج الملك أو كان يكسر الحطب في ملكه فأصاب شيء منه عين إنسان فأبطل ضوءها فلا ضمان وكذا لو حفر بئرا في ملكه فتندى جدار جاره فانهدم أو غار ماء بئره أو حفر بالوعة فتغير ماء بئر الجار فلا شيء عليه لأن الملاك لا يستغنون عن مثل هذا بخلاف الإشراع إلى الشارع فإنه يستغنى عنه ولو قصر فخالف العادة في سعة البئر ضمن فإنه إهلاك وليكن كذلك إذا قرب الحفر من الجدار على خلاف العادة ويمنع من وضع السرجين في أصل حائط الجار ولو أوقد ناراً في ملكه أو على سطحه فطار الشرر إلى ملك الغير فلا ضمان إلا أن يخالف العادة في قدر النار الموقدة أو يوقد في يوم ريح عاصفة فيكون ذلك كطرح النار في دار غيره فيضمن فإن عصفت الريح بغتة بعدما أوقد فهو معذور ولو سقى أرضه فخرج الماء من جحر فأرة أو شق فدخل أرض غيره فأفسده زرعه فلا ضمان إلا أن يخالف العادة في قدر الماء أو كان عالماً بالجحر أو الشق فلم يحتط. ولو حفر البئر في أرض خوارة ولم يطوها ومثلها تنهار إذا لم تطو كان مقصراً كما ذكرنا في سعة البئر ولا بد من هذا الاحتياط حيث جوزنا حفر البئر في الشارع. الثالثة: يجوز إخراج الميزاب إلى الشارع وليكن عاليا كالجناح فلو سقط منه شيء فهلك به إنسان أو مال فقولان القديم لا ضمان والجديد الأظهر يضمن فعلى هذا إن كان الميزاب كله خارجا بأن سمر عليه تعلق به جميع الضمان وإن كان بعضه في الجدار وبعضه خارجاً فإن انكسر فسقط الخارج أو بعضه تعلق به جميع الضمان أيضاً وإن انقلع من أصله فوجهان أو قولان أصحهما: يجب نصف الضمان والثاني: يجب بقسط الخارج ويكون التقسيط بالوزن وقيل: بالمساحة وسواء أصابه الطرف الداخل أو الخارج لأن الهلاك يحصل بثقل الجميع والحكم في كيفية التضمين إذا حصل الهلاك بجناح مشروع إما بالخارج منه وإما بالخارج والداخل جميعاً كما ذكرنا في الميزاب بلا فرق. فرع ذكر البغوي أنه لو رش ماء الميزاب على ثوب إنسان ضمن ما ينقص. الرابعة: الجدار الملاصق للشارع إن بناه صاحبه مستوياً فسقط من غير ميل ولا استهدام وتولد منه هلاك فلا ضمان ولو بناه مائلا إلى ملكه أو مال إليه بعد البناء وسقط فلا ضمان أيضاً وإن بناه مائلا إلى الشارع وجب ضمان ما تولد من سقوطه وإن بناه مستوياً ثم مال إلى الشارع وسقط فإن لم يتمكن من هدمه وإصلاحه فلا ضمان قطعاً وكذا إن تمكن على الأصح عند الجمهور ويجري الوجهان فيما لو سقط إلى الشارع فلم يرفعه حتى هلك به إنسان أو مال ولا فرق بين أن يطالبه الوالي أو غيره بالنقض وبين أن لا يطالب لأنه بنى في ملكه بلا ميل والهلاك حصل بغير فعله وإذا وجب ضمان في البناء المائل ابتداء أو دواما فلو مال بعضه نظر هل حصل التلف برأسه المائل أم بالباقي على الاستواء أم بالجميع ويكون حكمه كما ذكرنا في الميزاب. فرع إذا باع ناصب الميزاب أو باني الجدار المائل الدار لم يبرأ من الضمان حتى لو سقط على إنسان فهلك به يجب الضمان على عاقلة البائع هكذا ذكره البغوي. فرع أراد الجار أن يبني جداره لو أراد الجار أن يبني جداره الخالص أو المشترك مائلاً إلى ملك الجار فله المنع وإن مال فله المطالبة بالنقص كما إذا انتشرت أغصان شجرته إلى هواء غيره فله المطالبة بإزالتها فلو تولد منه هلاك فالضمان على ما ذكرنا فيما إذا مال إلى الشارع فرع لو استهدم الجدار ولم يمل قال الإصطخري لا يطالب بنقضه لأنه لم يجاوز ملكه وفي التتمة وجه آخر أن للجار وللمارة المطالبة به لما يخاف من ضرره وأورد ابن الصباغ هذا احتمالاً على الأول لا ضمان فيما تولد منه وعلى الثاني هو كما لو مال فلم ينقضه. الخامسة: قمامة البيت وقشور البطيخ والرمان والباقلاء إذا طرحها في ملكه أو في موات فزلق بها إنسان فهلك أو تلف بها مال فلا ضمان وإن طرحها في الطريق فحصل بها تلف وجب الضمان على الصحيح وبه قطع الجمهور وقيل: لا ضمان لاطراد العرف بالمسامحة به مع الحاجة وقيل: إن ألقاها في متن الطريق ضمن وإن ألقاها في منعطف وطرف لا ينتهي إليه المارة غالباً فلا. قال الإمام والوجه القطع بالضمان بالإلقاء في متن الطريق وتخصيص الخلاف بالإلقاء على الطرف ولك أن تقول قد يوجد بين العمارات مواضع معدة للإلقاء فيها تسمى تلك المواضع السباطات والمزابل وتعد من المرافق المشتركة بين سكان البقعة فيشبه أن يقطع بنفي الضمان إذا كان الإلقاء فيها فإنه استيفاء منفعة مستحقة ويخص الخلاف بغيرها وإذا أوجبنا الضمان فذلك إذا كان المتعثر بها جاهلا أما إذا مشى عليها قصداً فلا ضمان كما لو نزل البئر فسقط. فرع رش الماء في الطريق فزلق به إنسان لو رش الماء في الطريق فزلق به إنسان أو بهيمة فإن رش لمصلحة عامة كدفع الغبار عن المارة فليكن كحفر البئر للمصلحة العامة وإن كان لمصلحة نفسه وجب الضمان ويمكن أن يجيء فيه الوجه المذكور في طرح القشور ولو جاوز القدر المعتاد في الرش قال المتولي وجب الضمان قطعاً كما لو بل الطين في الطريق فإنه يضمن ما تلف به. فرع لو بنى على باب داره دكة فتلف بها إنسان أو دابة وجب الضمان وكذا الطواف إذا وضع متاعه في الطريق فتلف به شيء لزمه الضمان بخلاف ما لو وضع على طرف حانوته فرع لو بالت دابته أو راثت فزلق به رجل أو دابة أو تطاير منه شيء إلى طعام إنسان فنجسه نظر إن كانت الدابة في ملكه فلا ضمان وإن كانت في الطريق أو ربطها في الطريق فأتلفت فحكمه سيأتي إن شاء الله تعالى في آخر كتاب موجبات الضمان ولو مشى قصداً على موضع الرش أو البول فلا ضمان. السادسة أسند خشبه إلى جدار فسقط الجدار على شيء فأتلفه إن كان الجدار لغير المسند ولم يأذن له فعليه ضمان الجدار وما سقط عليه سواء سقط عقب الإسناد أم متأخراً عنه وإن كان الجدار للمسند أو لغيره وقد أذن له في الإسناد لم يجب ضمان الجدار وفي ضمان ما سقط عليه وجهان قال ابن القاص وأبو زيد إن سقط في الحال ضمن كما لو أسقط جداراً على مال رجل وإن سقط بعد زمان لم يضمن كما لو حفر بئراً في ملكه وعن القفال أنه لا يضمن في الحالين كما لا يضمن ما سقط في البئر في الحالين فإن ضمناه إذا سقط في الحال فلم يسقط لكنه مال في الحال إلى الشارع ثم سقط بعد مدة وجب الضمان كما لو بنى الجدار مائلاً لأنه مال بفعله بخلاف ما لو مال في الدوام بنفسه السابعة: نخس دابة أو ضربها مغافصة فقفزت ورمت راكبها فمات أو أتلفت مالاً وجب الضمان قال البغوي فإن كان النخس بإذن المالك فالضمان عليه ولو غلبته دابته فاستقبلها رجل وردها فأتلفت في انصرافها فالضمان على الراد. فرع رجل حمل رجلاً فجاء فقرص الحامل أو ضربه فتحرك فسقط المحمول عن ظهره قال المتولي هو كما لو أكره الحامل على إلقائه عن ظهره. الطرف الثالث في اجتماع سببين فمتى اجتمع سببا هلاك قدم الأول منهما لأنه المهلك إما بنفسه وإما بوساطة الثاني فأشبه التردية مع الحفر فإذا حفر بئراً في محل عدوان أو نصب سكيناً ووضع آخر حجراً فتعثر بالحجر فوقع على مؤخر السكين أو في مقدم البئر فمات فالضمان يتعلق بواضع الحجر وقال أبو الفياض من أصحابنا يتعلق بناصب السكين إذا كانت قاطعة موحية والصحيح الأول وبه قطع الجمهور لأن التعثر بالحجر هو الذي ألجأه إلى الوقوع في البئر أو على السكين وكأنه أخذه فرداه وصار كما لو كان في يده سكين فألقى عليه رجل إنساناً وجب القصاص والضمان على الملقي ولو أهوى إليه من في يده سكين ووجهه نحوه حين ألقاه الملقي كان القصاص على صاحب السكين هذا إذا كانا متعديين فلو حفر بئراً أو نصب سكيناً في ملكه ووضع متعد حجراً فعثر رجل بالحجر ووقع في البئر أو على السكين فالضمان أيضاً على واضع الحجر ولو وضع حجراً في ملكه وحفر متعد هناك بئراً أو نصب سكيناً فعثر رجل بالحجر ووقع في البئر أو على السكين فالمنقول أنه يتعلق الضمان بالحافر وناصب السكين فإنه المتعدي وينبغي أن يقال لا يتعلق بالحافر والناصب ضمان كما سنذكره قريباً في مسألة السيل إن شاء الله تعالى ويدل عليه أن المتولي قال لو حفر بئراً في ملكه ونصب غيره فيها حديدة فوقع رجل في البئر فجرحته الحديدة ومات فلا ضمان على واحد منهما. فرع حفر بئراً في محل عدوان وحصل حجر على طرف البئر بحمل السيل أو بوضع حربي أو سبع فعثر رجل بالحجر فوقع في البئر فهلك فلا ضمان على أحد كما لو ألقاه الحربي أو السبع في البئر وقيل يجب الضمان على عاقلة الحافر وهو ضعيف ولو حفر بئر عدوان ونصب آخر في أسفلها سكيناً فالضمان على عاقلة الحافر على الصحيح وقيل على ناصب السكين. فرع حفر بئراً قريبة العمق فعمقها غيره فوجهان أحدهما يختص الأول بضمان التالف فيها وأصحهما يتعلق بهما وعلى هذا هل يتنصف أم يوزع على الأذرع التي حفراها وجهان. قلت الأصح التنصيف كالجراحات. والله أعلم. ولو حفر بئراً وطمها فأخرج غيره ما طمت به فهل يتعلق ضمان التالف فيها بالأول لأنه المبتدىء أم بالثاني لانقطاع أثر الأول بالطم وجهان. قلت أصحهما الثاني والله أعلم. فرع وضع زيد حجراً في طريق وآخران حجراً بجنبه فتعثر بهما إنسان ومات فالأصح تعلق الضمان بهم أثلاثاً كالجراحات المختلفة وقيل يتعلق بزيد نصفه وبالآخرين نصفه.
يتعلق الضمان به إذا عثر به من لم يره كما سبق فلو وضع حجراً في طريق فعثر به رجل ودحرجه ثم عثر به ثان فهلك فضمان الثاني يتعلق بالمدحرج لأن الحجر إنما حصل هناك بفعله. فرع من قعد في موضع أو نام أو وقف فعثر به ماش وماتا أو مات نظر إن كان قعوده في ملكه ودخله الماشي بلا إذن فالماشي مهدر وعلى عاقلته دية القاعد والواقف وكذا لو قعد أو وقف في موات أو طريق واسع لا يتضرر به المارة وسواء كان القاعد أو الواقف بصيراً أو أعمى كما لو قتل شخصاً أمكنه الدفع عن نفسه وإن قعد أو نام في طريق ضيق يتضرر به المارة فعثر به الماشي وماتا ففيه طرق المذهب منها وهو المنصوص أن دم القاعد والنائم مهدر وعلى عاقلتهما دية الماشي وأنه إذا عثر بالواقف كان دم الماشي مهدرا وعلى عاقلته دية الواقف لأن الإنسان قد يحتاج إلى الوقوف لكلال أو انتظار رفيق أو سماع كلام فالوقوف من مرافق الطريق كالمشي لكن الهلاك حصل بحركة الماشي فخص بالضمان والقعود والنوم ليسا من مرافق الطريق فمن فعلهما فقد تعدى وعرض نفسه للهلاك والثاني وجوب دية كل واحد منهما على عاقلة الآخر مطلقاً والثالث يهدر دم القاعد والنائم والواقف وتجب دية الماشي على عاقلتهم والرابع يهدر دم الماشي وتجب دية هؤلاء على عاقلته لأن القتل حصل بحركته كما لو تردد الأعمى في الطريق بلا قائد فأتلف يلزمه الضمان هذا كله إذا لم يوجد من الواقف فعل فإن وجدنا بأن انحرف إلى الماشي لما قرب منه فأصابه في انحرافه فماتا فهما كماشيين اصطدما وسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى. ولو انحرف عنه فأصابه في انحرافه أو انصرف إليه فأصابه بعد تمام انحرافه فالحكم كما لو كان واقفاً لا يتحرك ولو جلس في مسجد فعثر به إنسان وماتا فعلى عاقلة الماشي دية الجالس ويهدر دم الماشي كما لو جلس في ملكه فعثر به ماش ولو نام في المسجد معتكفاً فكذلك ولو جلس لأمر ينزه المسجد عنه أو نام غير معتكف فهو كما لو نام في الطريق هكذا ذكره البغوي. فرع حيث أطلق الضمان في هذه الصور وما قبلها وقيل إنه على الحافر أو واضع الحجر أو القاعد وناصب الميزاب والجناح وملقي القمامة وقشر البطيخ ونحوهم فالمراد أنه يتعلق الضمان بهم ومعناه أنه يجب على عاقلتهم.
الأولى أن يقع الثاني بغير جذب الأول فإن مات الأول فالثاني ضامن فإن تعمد إلقاء نفسه عليه ومثله يقتل مثله غالباً لضخامته وعمق البئر وضيقها لزمه القصاص وإن تعمده لكنه لا يقتل غالباً فهو شبه عمد وإن لم يتعمد ووقع في البئر بغير اختياره أو لم يعلم وقوع الأول فهو خطأ محض ثم أطلق مطلقون أنه إذا آل الأمر إلى المال وجبت دية كاملة وقال آخرون إنما على الثاني نصف الدية لأن الأول مات بوقوعه في البئر وبوقوع الثاني عليه ويكون النصف الآخر على الحافر إن كان الحفر عدواناً وإلا فمهدر وهذا أصح عند المتولي وغيره لكن لو نزل الأول إلى البئر ولم ينصدم فوقع عليه الثاني تعلق بوقوعه كل الدية وأما إذا مات الثاني فإن تعمد إلقاء النفس فيها أو لم يكن الحفر عدواناً فهو هدر وإلا تعلق الضمان بعاقلة الحافر وإن ماتا معاً فالحكم في حق كل واحد ما ذكرنا ولو تردى في البئر ثلاثة واحد بعد واحد فوجهان أحدهما تجب دية الأول على عاقلة الثاني والثالث قاله الشيخ أبو حامد والثاني يجب على عاقلتهما ثلثا الدية والثلث الباقي على عاقلة الحافر إن كان متعديا وإلا فهو هدر قاله القاضي أبو الطيب واختاره ابن الصباغ. الحالة الثانية أن يقع الثاني في البئر بجذب الأول فإذا تزلق على طرف بئر فجذب غيره ووقع في البئر ووقع الثاني فوقه فماتا فالثاني هلك بجذب الأول فكأنه أخذه وألقاه في البئر إلا أنه قصد الاستمساك والتحرز عن الوقوع فكان مخطئاً فيجب ضمان الثاني على عاقلة الأول وأما الأول فإن كان الحفر عدواناً فوجهان أحدهما يحكى عن الخضري أنه مهدر وأصحهما تجب نصف ديته على عاقلة الحافر ويهدر النصف لأنه مات بسببين صدمة البئر وثقل الثاني منسوب إليه وإن لم يكن الحفر عدواناً فالأول مهدر بلا خلاف وليحمل على هذه الحالة إطلاق من أطلق إهدار الأول وقد أطلقه كثيرون. ولو كانت الصورة كما ذكرنا وجذب الثاني ثالثاً وماتوا جميعاً فأما الأول ففيه وجهان أحدهما تهدر نصف ديته لجذبه الثاني ويجب نصفها على عاقلة الثاني لجذبه الثالث وهذا تفريع على أنه لا أثر للحفر مع الجذب وأصحهما أنه مات بثلاثة أسباب صدمة البئر وثقل الثاني والثالث فهدر ثلث الدية لجذبه الثاني ثم ينظر إن كان الحفر عدواناً وجب ثلثها على عاقلة الحافر وثلثها على عاقلة الثاني بجذبه الثالث وإن لم يكن الحفر عدواناً أهدر ثلث آخر ووجب ثلث على عاقلة الثاني وقال ابن الحداد مات بالوقوع في البئر وبجذبة الثاني فيهدر نصف دية ويجب نصفها على عاقلة الحافر وأعرض عن تأثره بثقل الثالث وهذا ضعيف عند الأصحاب وأما الثاني فمات بجذب الأول وبثقل الثالث وثقل الثالث حصل بفعله فيهدر نصف ويجب نصف على عاقلة الأول وأما الثالث فتجب جميع ديته على الثاني على الأصح وقيل على الأول والثاني والمراد عاقلتهما ولوكانت الصورة بحالها وجذب الثالث رابعاً وماتوا وجب جميع دية الرابع بلا خلاف وأما ديات الثلاثة ففيها أوجه أصحها أن الأول مات بأربعة أسباب صدمة البئر وثقل الثلاثة فيهدر ربع ديته لجذبه الثاني ويجب الربع على عاقلة الحافر إن كان الحفر عدواناً وإن لم يكن عدواناً أهدر أيضاً ويجب ربع على عاقلة الثاني وربع على عاقلة الثالث وأما الثاني فلا أثر للحفر في حقه وقد مات بجذب الأول وثقل الثالث والرابع فيهدر ثلث ديته ويجب ثلثها على عاقلة الأول وثلثها على عاقلة الثالث وأما الثالث فمات بجذب الثاني وثقل الرابع فيهدر نصف ديته ويجب نصفها على عاقلة الثاني والوجه الثاني لا يجب للأول شيء لأنه باشر قتل نفسه بجذب الثاني وما تولد منه وأما الثاني فيهدر نصف ديته ويجب نصفها على عاقلة الأول وأما الثالث فيهدر نصف ديته ويجب نصفها على عاقلة الثاني ومقتضى هذا الوجه أن لا يجب للأول في صورة الثلاثة شيء أصلاً وإن لم يذكروه هناك والوجه الثالث أنه تجعل دية الثلاثة أثلاثاً فيهدر ثلث دية كل واحد ويجب الثلثان من دية الأول على عاقلتي الثاني والثالث والثلثان من دية الثاني على عاقلتي الأول والثالث والثلثان من دية الثالث على عاقلتي الأول والثاني والوجه الرابع حكاه المتولي يجب للأول ربع الدية إن كان الحافر متعدياً وللثاني الثلث وللثالث النصف للقصة المروية من قضاء علي رضي الله عنه بهذا وإمضاء النبي صلى الله عليه وسلم لذلك لكنه حديث ضعيف وجميع ما ذكرناه إذا وقع الثلاثة أو الأربعة بعضهم فوق بعض أما إذا كانت البئر واسعة وجذب بعضهم بعضا لكن وقع كل واحد في ناحية فدية كل مجذوب على عاقلة جاذبه ودية الأول على عاقلة الحافر إن كان متعدياً ومن وجبت في هذه الصور دية بعضهم أو بعضها على عاقلته لزمه الكفارة في ماله ويقع النظر في أنها هل تتجزأ ومن أهدر دمه أو شيء منه لفعله ففي وجوب الكفارة عليه الخلاف في أن قاتل نفسه هل عليه كفارة. الطرف الرابع في اجتماع سببين متقاومين وفيه مسائل: أحدها إذا اصطدم حران ماشيان فوقعا وماتا فكل واحد مات بفعله وفعل صاحبه فهو شريك في القتلين ففعله هدر في حق نفسه مضمون في حق صاحبه فالصحيح أن في تركة كل واحد منهما كفارتين بناء على أن الكفارة لا تتجزأ وأن قاتل نفسه عليه كفارة وأما الدية فتسقط نصف دية كل واحد ويجب نصفها ثم إن لم يقصدا الاصطدام بأن كانا أعميين أو في ظلمة أو مدبرين أو غافلين فهو خطأ محض فعلى عاقلة كل واحد نصف دية الآخر وإن تعمدا الاصطدام فوجهان أحدهما أن الحاصل عمد محض ويجب في مال كل واحد نصف دية الآخر قاله أبو إسحاق واختاره الإمام والغزالي وأصحهما عند الأكثرين وهو نصه في الأم أن الحاصل شبه عمد لأن الغالب أن الاصطدام لا يفضي إلى الموت فلا يتحقق فيه العمد المحض ولذلك لا يتعلق القصاص إذا مات أحدهما دون الآخر فيجب على عاقلة كل واحد نصف دية الآخر مغلظة. الثانية إذا كان المصطدمان راكبين فحكم الدية والكفارة كما ذكرنا فلو تلفت الدابتان ففي تركة كل واحد نصف قيمة دابة صاحبه ولو غلبتهما الدابتان فجرى الاصطدام والراكبان مغلوبان فالمذهب أن المغلوب كغير المغلوب كما سبق وفي قول أنكره جماعه أن هلاكهما وهلاك الدابتين هدر إذ لا صنع لهما ولا اختيار فصار كالهلاك بآفة سماوية ويجري الخلاف فيما لو غلبت الدابة راكبها أو سائقها وأتلفت مالاً هل يسقط الضمان عنه. فرع سواء في اصطدام الراكبين اتفق جنس المركوبين وقوتهما أم اختلف كراكب فرس أو بعير مع راكب بغل أو حمار وسواء في اصطدام الرجلين اتفق سيرهما أو اختلف بأن كان أحدهما يمشي والآخر يعدو وسواء كانا مقبلين أم مدبرين أو أحدهما مقبلاً والآخر مدبراً قال الإمام لكن لو كانت إحدى الدابتين ضعيفة بحيث يقطع بأنه لا أثر لحركتها مع قوة الدابة الأخرى لم يتعلق بحركتها حكم كغرز الإبرة في جلدة العقب مع الجراحات العظيمة وسواء وقع المصطدمان مقبلين أو مستلقيين أو أحدهما مستلقياً والآخر مكباً وعن المزني أنه إذا وقع أحدهما مكباً والآخر مستلقياً فالمكب مهدر وعلى عاقلته ضمان المستلقي وعن ابن القاص مثله تخريجاً وعنه أن المكبين مهدران والمذهب الأول وبه قطع الجمهور ولو اصطدم ماش وراكب لطول الماشي وهلكا فالحكم ما سبق. فرع تجاذب رجلان حبلاً فانقطع فسقطا وماتا وجب على عاقلة كل واحد نصف دية الآخر ويهدر النصف سواء وقعا مكبين أو مستلقيين أو أحدهما هكذا والآخر كذاك لكن قال البغوي إن أكب أحدهما واستلقى الآخر فعلى عاقلة المستلقي نصف دية المكب مغلظة وعلى عاقلة المكب نصف دية المستلقي مخففة وهذا إن صح اقتضى أن يقال مثله في الاصطدام هذا إذا كان الحبل لهما أو مغصوباً فإن كان لأحدهما والآخر ظالم فدم الظالم هدر وعلى عاقلته نصف دية المالك ولو أرخى أحد المتجاذبين فسقط الآخر ومات فنصف ديته على عاقلة المرخي ويهدر نصفها ولو قطع الحبل قاطع فسقطا وماتا فديتاهما جميعاً على عاقلة القاطع. ما ذكرنا أنه يهدر نصف قيمة الدابة ويجب النصف الآخر هو فيما إذا كانت الدابة للراكب فإن كانت مستعارة أو مستأجرة لم يهدر منها شيء لأن العارية مضمونة وكذا المستأجر إذا أتلفه المستأجر. الثالثة إذا اصطدم صبيان أو مجنونان نظر إن كانا ماشيين أو راكبين ركبا بأنفسهما فهما كالبالغين إلا أنا إذا أوجبنا هناك دية مغلظة فهي هنا مخففة إلا إذا قلنا عمد الصبي والمجنون عمد وإن أركبهما من لا ولاية له عليهما لم يهدر شيء من ديتهما ولا من قيمة الدابتين ولا شيء على الصبيين ولا على عاقلتهما بل إن كان المركب وأحد فعليه قيمة الدابتين وعلى عاقلته دية الصبيين وإن أركب هذا وأحد وذاك آخر فعلى كل واحد نصف قيمة كل دابة وكذا يضمن ما أتلفته دابة من أركبه بيدها أو رجلها وعلى عاقلة كل واحد نصف ديتي الصبيين هذا هو الصحيح المعروف الذي قطع به الأصحاب وقال الداركي وابن المرزبان يلزم عاقلة كل مركب دية من أركبه قال الشيخ أبو حامد هذا غلط قال في الوسيط فلو تعمد الصبي والحالة هذه احتمل أن يحال الهلاك عليه إذا قلنا عمده عمد لأن المباشرة مقدمة على التسبب وهذا احتمال حسن فإن قيل به فحكمه كما لو ركبا بأنفسهما والاعتذار عنه تكلف ولو وقع الصبي فمات فقد أطلق الشيخ أبو حامد أنه يتعلق بالمركب الضمان وقال المتولي إن كان مثله لا يستمسك على الدابة ولم يشده وجب الضمان وإن كان يستمسك فإن كان ينقله من موضع إلى موضع فلا ضمان سواء أركبه الولي أو غيره لأنه لا يخاف منه الهلاك غالباً وإن أركبه ليتعلم الفروسية فهو كما لو تلف في يد السباح وفي كل واحد من الإطلاق والتفصيل نظر أما إذا أركبهما ولياهما لمصلحتهما ف وجهان أصحهما لا ضمان على الولي كما لو ركبا بأنفسهما إذ لا تقصير والثاني قاله القفال يجب الضمان لأن في الإركاب خطرا هكذا أطلق جماعة الوجهين وخصهما الإمام بالإركاب لزينة أو حاجة غير مهمة قال فأما إذا مست حاجة أرهقت إلى إركابه للانتقال إلى مكان فلا ضمان قطعاًثم ال وجهان مخصوصان بما إذا ظهر ظن السلامة فأما إذا أركبه الولي دابة شرسة جموحاً فلا شك في أنه يتعلق به الضمان. الرابعة اصطدام المرأتين كالرجلين فإن اصطدم حاملان فماتتا ومات جنيناهما وجب في تركة كل واحدة منهما أربع كفارات على الصحيح وهو إيجاب الكفارة على قاتل نفسه وعدم تجزئة الكفارة فإن لم نوجبها على قاتل نفسه وجب ثلاث كفارات وإن قلنا بالتجزئة وجب ثلاثة أنصاف كفارة وعلى عاقلة كل واحدة نصف دية صاحبتها ونصف غرة كل جنين. الخامسة اصطدم عبدان فمات أحدهما وجب نصف قيمته متعلقاً برقبة الحي وإن ماتا فمهدران لأن ضمان جناية العبد تتعلق برقبته سواء اتفقت قيمتهما أم اختلفت وإن اصطدم حر وعبد ومات العبد فنصفه هدر وتجب نصف قيمته وهل تكون على الحر أم على عاقلته فيه الخلاف في تحمل العاقلة قيمة العبد وإن مات الحر وجب نصف ديته متعلقاً برقبة العبد وإن ماتا معاً فإن قلنا قيمة العبد لا تحملها العاقلة وجب نصفها في تركة الحر ويتعلق به نصف دية الحر لأنه بدل رقبته وإن قلنا تحمل العاقلة القيمة فنصف قيمة العبد على عاقلة الحر ويتعلق به نصف دية الحر فيأخذ السيد من العاقلة نصف القيمة ويدفع نصف الدية إلى ورثة الحر إما من عين المأخوذ وإما من غيره قال الإمام والوجه أن يثبت لورثة الحر مطالبة عاقلته بنصف القيمة وإن كان ملكه السيد ليتوثقوا به وكذا إذا تعلق أرش برقبة عبد فقتله أجنبي ثبت للمجني عليه مطالبة قاتل الجاني بالقيمة ويثبت للمرتهن مطالبة قاتل المرهون بالقيمة ليتوثق بها وليكن هذا مبنياً على أن المرتهن هل له أن يخاصم الجاني وفيه خلاف سبق الأصح المنع وبتقدير أن يخاصم ويأخذ فإن لم يصر المأخوذ ملكاً للراهن لم يصح التوثق وإن صار فجعل المرتهن نائباً عنه قهراً بعيد. السادس اصطدم مستولدتان لرجلين فماتتا أهدر نصف قيمة كل منهما ووجب نصف قيمة كل واحدة على سيد الأخرى لأن ضمان جناية المستولدة على سيدها كما سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى والمذهب أنه يضمن أقل الأمرين من أرش الجناية وقيمة مستولدته وإن كانتا حاملين فماتتا وأجهضتا جنينهما فحكم القيمة ما ذكرنا وأما ضمان الجنينين فإن كانا رقيقين فعلى سيد كل واحدة مع نصف قيمة الأخرى نصف عشر قيمتها لنصف جنينها وإن كانتا حاملين بحرين من شبهة فعلى كل سيد مع نصف قيمة الأخرى نصف غرة لجنين مستولدته ونصف غرة لجنين الأخرى وإن كانتا حاملين بحرين من السيدين فنصف كل جنين هدر لأن المستولدة إذا جنت على نفسها وألقت جنيناً كان هدراً وعلى كل واحد من السيدين نصف غرة جنين الأخرى وتصير الصورة من صور التقاص وإذا فضل لأحدهما شيء أخذه وإن كانت أحدهما حاملاً فألقت جنينها ميتاً فنصف الغرة على سيد الحامل فإن كان للجنين أم أم وارثة فلها نصف سدس الغرة والباقي لسيد الحامل وعليه للجدة نصف سدس أيضاً ليكمل لها سدس الغرة. السابعة إذا اصطدم سفينتان وغرقتا بما فيهما فإما أن يحصل الاصطدام بفعلهما وإما لا فهما حالان. الأول بفعلهما فينظر إن كانت السفينتان وما فيهما ملكا للملاحين المجريين لهما فنصف قيمة كل سفينة وما فيهما مهدر ونصف قيمتها ونصف قيمة ما فيها على صاحب الأخرى فإن هلك الملاحان أيضاً فهما كالفارسين يموتان بالاصطدام وإن كانت السفينتان لهما وحملاً الأموال والأنفس تبرعاً أو بأجرة نظر إن تعمداً الاصطدام بما يعده أهل الخبرة مفضياً إلى الهلاك تعلق بفعلهما القصاص حتى إذا كان في كل سفينة عشرة أنفس مثلا يقرع بينهم لموتهم معاً فمن خرجت قرعته قتل به الملاحان وفي مال كل واحد منهما نصف ديات الباقين فيكون على كل واحد تسع ديات ونصف مع القصاص وفي مال كل واحد من الكفارات بعدد من في السفينتين من الأحرار والعبيد وعلى كل واحد منهما نصف قيمة ما في السفينتين لا يهدر منه شيء ونصف قيمة سفينة صاحبه ويهدر نصفها ويجري التقاص في القدر الذي يشتركان فيه وإن تعمداً الاصطدام بما لا يفضي إلى الهلاك غالبا وقد يفضي إليه فهو شبه عمد والحكم كما ذكرنا إلا أنه لا يتعلق به قصاص وتكون الدية على العاقلة مغلظة وإن لم يتعمدا الاصطدام بل ظنا أنهما يجريان على الريح فأخطأ أو لم يعلم واحد منهما أن بقرب سفينته سفينة الآخر فالدية على العاقلة وإن كانت السفينتان لغير الملاحين وكانا أجيرين للمالك أو أمينين لم يسقط شيء من ضمان السفينتين بل على كل واحد منهما نصف قيمة كل سفينة وكل واحد من المالكين مخير بين أن يأخذ جميع قيمة سفينته من أمينه ثم هو يرجع بنصفها على أمين الآخر وبين أن يأخذ نصفها منه ونصفها من أمين الآخر وإن كان المجريان عبدين فالضمان يتعلق برقبتهما. الحال الثاني أن يحصل الاصطدام لا بفعلهما فإن وجد منهما تقصير بأن توانيا في الضبط فلم يعدلاهما عن صوب الاصطدام مع إمكانه أو سيراً في ريح شديدة لا تسير في مثلها السفن أو لم يكملا عدتهما من الرجال والآلات وجب الضمان على ما ذكرنا وإن لم يوجد منهما تقصير وحصل الهلاك بغلبة الرياح وهيجان الأمواج ففي وجوب الضمان قولان أحدهما نعم كالفارسين إذا غلبتهما دابتاهما وأصحهما لا لعدم تقصيرهما كما لو حصل الهلاك بصاعقة بخلاف غلبة الدابة فإن ضبطها ممكن باللجام وقيل القولان إذا لم يكن منهما فعل بأن كانت السفينة مربوطة بالشط أو مرساة في موضع فهاجت ريح فسيرتها فأما إذا سيراهما ثم غلبت الريح وعجزاً عن ضبطهما فيجب الضمان قطعاً والمذهب طرد القولين في الحالين فإن قلنا يجب الضمان فهو كما لو فرطا ولكن لم يقصدا الاصطدام وإن قلنا بالأظهر لم يجب ضمان الأحرار ولا ضمان الودائع والأمانات فيهما ولا ضمان الأموال المحمولة بالأجرة إن كان مالكها أو عبده معها يحفظها وإن استقل المجريان باليد فعلى القولين في أن يد الأجير المشترك هل هي يد ضمان وإن كان فيهما عبيد فإن كانوا أعواناً أو حفاظاً للمال لم يجب ضمانهم وإلا فهم كسائر الأموال وعلى هذا لو اختلف صاحب المال والملاحان فقال صاحب المال كان الاصطدام بفعلكما وقالا بل بغلبة الريح صدقا بيمينهما ومتى كان أحدهما مفرطاً أو عامداً دون الآخر خص كل واحد منهما بالحكم الذي يقتضيه حاله على ما ذكرنا ولو صدمت سفينة السفينة المربوطة بالشط فكسرتها فرع إذا خرق واحد سفينة فغرق ما فيها من نفس ومال وجب ضمانه ثم إن تعمد الخرق بما يفضي إلى الهلاك غالباً كالخرق الواسع الذي لا مدفع وجب القصاص والدية المغلظة في ماله وإن تعمده بما لا يحصل به الهلاك غالباً فهو شبه عمد وكذا لو قصد إصلاح السفينة فنفذت الآلة في موضع الإصلاح فغرقت به السفينة وإن أصابت الآلة غير موضع الإصلاح أو سقط من يده حجر أو غيره فخرقت السفينة فهو خطأ محض. فرع لو كانت السفينة مثقلة بتسعة أعدال فوضع آخر فيها عدلاً آخر عدواناً فغرقت فهل يغرم جميع الأعدال التسعة أم بعضها وجهان أحدهما جميعها لأن الهلاك ترتب على فعله وأصحهما البعض وفيه وجهان أحدهما النصف والثاني قسطه إذا وزع على جميع الأعدال وهو كالخلاف في الجلاد إذا زاد على الحد المشروع وله نظائر متقدمة ومتأخرة. فصل إذا أشرفت السفينة على الغرق جاز إلقاء بعض أمتعتها في البحر ويجب الإلقاء رجاء نجاة الراكبين إذا خيف الهلاك ويجب إلقاء ما لا روح فيه لتخليص ذي الروح ولا يجوز إلقاء الدواب إذا أمكن دفع الغرق بغير الحيوان وإذا مست الحاجة إلى إلقاء الدواب ألقيت لإبقاء الآدميين والعبيد كالأحرار وإذا قصر من عليه الإلقاء حتى غرقت السفينة فعليه الإثم ولا ضمان كما لو لم يطعم صاحب الطعام المضطر حتى مات يعصي ولا يضمنه ولا يجوز إلقاء المال في البحر من غير خوف لأنه إضاعة للمال وإذا ألقى متاع نفسه أو متاع غيره بإذنه رجاء السلامة فلا ضمان على أحد ولو ألقى متاع غيره بغير إذنه وجب الضمان وقيل إذا ألقى من لا خوف عليه متاع نفسه لإنقاذ غيره ففي رجوعه عليه وجهان كمن أطعم المضطر قهراً والمذهب الأول ولو قال لغيره ألق متاعك في البحر وعلي ضمانه أو على أني ضامن أو على أني أضمن قيمته فألقاه فعلى الملتمس ضمانه وقال أبو ثور وبعض الأصحاب لا يجب ضمانه لأنه ضمان ما لم يجب والصحيح الأول وبه قطع الجمهور لأنه التماس إتلاف بعوض له فيه غرض صحيح فصار كقوله أعتق عبدك على كذا فأعتق قال الأصحاب وليس هذا على حقيقة الضمان وإن سمي ضماناً ولكنه بذل مال للتخليص عن الهلاك فهو كما لو قال أطلق هذا الأسير ولك علي كذا فأطلقه يجب الضمان وبنى القاضي حسين عليه أنه لو قال لمن له القصاص اعف ولك كذا أو قال لرجل أطعم هذا الجائع ولك علي كذا فأجاب يستحق المسمى أما إذا اقتصر على قوله ألق متاعك في البحر ولم يقل وعلي ضمانه فألقاه فقيل في وجوب الضمان خلاف كقوله أد ديني وقطع الجمهور بأنه لا ضمان لأن قضاء الدين ينفعه قطعاً وهذا قد لا ينفعه قال البغوي وتعتبر قيمة الملقى قبل هيجان الأمواج فإنه لا قيمة للمال في تلك الحال فلا تجعل قيمة المال في البحر وهو على خطر الهلاك كقيمة البر ثم إنما يجب الضمان على الملتمس بشرطين أحدهما أن يكون الالتماس عند خوف الغرق فأما في غير حال الخوف فلا يقتضي الالتماس ضمانا سواء قال على أني ضامن أو لم يقل كما لو قال اهدم دارك ففعل الشرط الثاني أن لا تختص فائدة الإلقاء بصاحب المتاع واعلم أن فائدة التخليص بإلقاء المتاع تتصور في صور. إحداها أن يختص بصاحب المتاع فإذا كان في السفينة المشرفة راكب ومتاعه فقال له رجل من الشط أو من زورق بقربها ألق متاعك في البحر وعلي ضمانه فألقى لا يجب الضمان ولا يحل له أخذ الضمان لأنه فعل ما هو واجب عليه لغرض نفسه فلا يستحق عوضاً كما لو قال للمضطر كل طعامك وأنا ضامنه لك فأكله لا شيء على الملتمس. الثانية أن يختص بالملتمس بأن أشرفت سفينة على الغرق وفيها متاع رجل وهو خارج عنها فقال للخارج ألق متاعك في البحر وعلي ضمانه فألقى وجب الضمان كما ذكرنا سواء حصلت الثالثة أن يختص بغيرهما بأن كان الملتمس وصاحب المتاع خارجين عن السفينة وفيها جماعة مشرفون على الغرق وجب الضمان على الملتمس أيضاً لأنه غرض صحيح. الرابعة أن تعود المصلحة إلى ملقي المتاع وغيره دون الملتمس فوجهان أصحهما يجب ضمان جميع المتاع والثاني بقسط الملقى على مالكه وسائر من فيها فيسقط قسط المالك ويجب الباقي فإن كان معه واحد وجب نصف الضمان وإن كان معه تسعة وجب تسعة أعشاره. الخامسة أن يكون في الإلقاء تخليص الملتمس وغيره بأن التمس بعض ركاب السفينة من بعض فيجب الضمان على الملتمس قال الإمام ويجيء الوجهان في أنه هل تسقط حصة المالك فرع إذا قال ألق متاعك في البحر وأنا وركاب السفينة ضامنون كل واحد منا على الكمال أو على أني ضامن وكل واحد منهم ضامن فعليه ضمان الجميع ولو قال أنا وهم ضامنون كل واحد منا بالحصة لزمه ما يخصه وكذا لو قال أنا وهم ضامنون واقتصر عليه ولو قال وأنا ضامن وركاب السفينة أو على أن أضمنه أنا والركاب أو قال وأنا ضامن وهم ضامنون لزمه ضمان الجميع على الأصح وقيل على القسط ثم قوله هم ضامنون إما للجميع وإما للحصة إن أراد به الإخبار عن ضمان سبق منهم واعترفوا به لزمهم وإن أنكروا فهم المصدقون وإن قال أردت إنشاء الضمان عنهم فقيل إن رضوا به ثبت المال عليهم والصحيح أنه لا يثبت لأن العقود لا توقف وإن قال وأنا وهم ضمناء وضمنت عنهم بإذنهم طولب هو بالجميع بقوله وإذا أنكروا الإذن فهم المصدقون حتى لا يرجع عليهم ولو قال أنا وهم ضمناء وأصححه من مالهم فقد نقل الأئمة لا سيما العراقيون أنه يطالب بالجميع أيضاً وكذا لو قال أنا أحصله من مالهم كما لو قال اخلعها على ألف أصححها لك من مالها أو أضمنها لك من مالها يلزمه الألف ولو قال ألقي متاعك في البحر على أني وهم ضمناء فأذن له في الإلقاء فألقاه فهل تلزمه الحصة أم الجميع لأنه باشر الإتلاف وجهان. فرع قال ألق متاعك وعلي نصف الضمان وعلى فلان الثلث وعلى فلان السدس لزمه النصف فرع قال لرجل ألق متاع زيد وعلي ضمانه إن طالبك فالضمان على الملقي دون الآمر. فرع قال الإمام المتاع الملقى لا يخرج عن ملك مالكه حتى لو لفظه البحر على الساحل وظفرنا به فهو لمالكه ويسترد الضامن المبذول وهل للمالك أن يمسك ما أخذه ويرد بدله فيه خلاف كالخلاف في العين المقرضة إذا كانت باقية فهل للمقترض إمساكها ورد بدلها. المسألة الثامنة إذا عاد حجر المنجنيق على الرامين فقتل أحدهم فقد مات بفعله وفعل شركائه وحكمه كالاصطدام فإن كانوا عشرة سقط عشر ديته ووجب على عاقلة كل واحد من التسعة عشرها ولو قتل اثنين منهم فصاعداً فكذلك فلو قتل العشرة أهدر من دية كل واحد عشرها ووجب على عاقلة كل واحد من الباقين عشرها ولو أصاب الحجر غيرهم نظر إن لم يقصدوا وأحد أو أصاب غير من قصدوه بأن عاد فقتل بعض النظارة فهذا خطأ يوجب الدية المخففة على العاقلة وإن قصدوا شخصاً أو جماعة بأعيانهم فأصابوا من قصدوه فوجهان قطع العراقيون بأنه شبه عمد لأنه لا يتحقق قصد معين بالمنجنيق والثاني وبه قطع الصيدلاني والإمام والغزالي والمتولي ورجحه البغوي والروياني أنه عمد إذا كانوا حاذقين تتأتى لهم الإصابة والغالب الإصابة. قلت هذا الثاني هو الذي صححه في المحرر والله أعلم. وإن قصدوا وأحد أو جماعة والغالب أنه لا يصيب من قصدوه وقد يصيب فهو شبه عمد والعلم بأنه يصيب أحدهم لا بعينه أو جماعة منهم لا بأعيانهم لا يحقق العمدية ولا يوجب القصاص لأن العمدية تعتمد قصد عين الشخص ولهذا لو قال اقتل أحد هؤلاء وإلا قتلتك فقتل أحدهم لا قصاص على الآمر لأنه لم يقصد عين أحدهم ثم قال الغزالي يكون هذا خطأ في حق ذلك الواحد وقال البغوي يكون شبه عمد تجب به دية مغلظة على العاقلة وهذا هو الصحيح إذا قصدوا وأحد أو جماعة لا بأعيانهم وكذا لو رمى سهما إلى جماعة ولم يعين أحدهم ثم استدرك الإمام فقال قولنا لا يجب القصاص مفروض فيمن قصد إصابة واحد لا بعينه أو جماعة لا بأعيانهم وأصاب الحجر بعضهم فأما إذا كان القوم محصورين في موضع وعلم الحاذق أنه إذا سدد عليهم الحجر أصاب جميعهم وحقق قصده فأتى عليهم فالذي أراه وجوب القصاص. التاسعة جرح مرتدا بقطع يده أو غيرها فأسلم ثم جرحه الأول ثم جرحه ثلاثة آخرون فمات نظر إن وقعت الجراحات الأربع بعد اندمال الأولى لزمهم الدية أرباعاً وإن وقعت قبل اندمالها ومات من الجراحات الخمس ففيما عليهم وجهان أصحهما وبه قال ابن الحداد توزع الدية على عدد الجارحين وهم أربعة فيجب على كل واحد ربعها ثم يعود ما على الجارح في الردة إلى الثمن لأن جراحة الردة مهدرة والثاني توزع الدية على الجراحات فيسقط خمسها للردة ويجب على كل واحد من الأربعة خمسها كما لو جرحه واحد في الردة وأربعة بعد الإسلام فإنه يلزم كل واحد من الأربعة خمس الدية ولو جرحه ثلاثة في الردة ثم جرحوه مع رابع في الإسلام ومات بالجراحات فعلى قول ابن الحداد توزع الدية على الأربعة وقد جرح ثلاثة منهم جراحتين أحدهما في الردة فيعود ما على كل منهم إلى الثمن ويبقى على الرابع الربع وعلى الوجه الآخر الجراحات سبع فيسقط ثلاثة أسباع الدية بجراحات الردة ويجب على كل واحد سبعها ولو جرحه في الردة أربعة ثم جرحه أحدهم مع ثلاثة في الإسلام فعلى قول ابن الحداد الجارحون سبعة فعلى كل واحد من الذين لم يجرحوا إلا في الإسلام سبع الدية ولا شيء على الجارحين في الردة فقط وعلى الجارح في الحالين نصف سبع وعلى الوجه الآخر مات بثمان جراحات أربع في الإهدار فعلى كل واحد من الجارحين في الإسلام ثمن الدية. ولو جرحه أربعة في الردة ثم جرحه أحدهم وحده في الإسلام فعلى قول ابن الحداد الجارحون أربعة يلزم الجارح في الإسلام الثمن لأن حصته الربع فيسقط نصفه بجراحة الردة ولا شيء على الباقين وعلى الوجه الآخر يلزمه خمس الدية ويسقط أربعة أخماسها ولو جرحه ثلاثة في الردة ثم جرحه أحدهم في الإسلام فهل عليه سدس الدية أم ربعها فيه الوجهان ولو جرحه اثنان في الردة ثم جرحه أحدهما مع ثالث في الإسلام فعلى قول ابن الحداد لا شيء على الذين لم يجرح إلا في الردة وعلى الجارح في الحالين سدس وعلى الآخر ثلث وعلى الوجه الآخر يلزم الجارح في الحالين ربع الدية وكذا الجارح في الإسلام ولو جرحه اثنان في الردة ثم في الإسلام لزم كل واحد منهما ربع الدية باتفاق الوجهين ولو جرحه ثلاثة في الردة ثم في الإسلام لزم كل واحد سدس الدية باتفاق الوجهين وكذا يتفقان متى لم يختلف عدد الجراحات ولا الجارحين في الحالين. فرع إذا اختلف جنايات رجل عمداً وخطأ وشاركه غيره بأن جرح خطأ ثم عاد مع آخر فجرحا عمداً فالتوزيع لمعرفة ما يؤخذ منه وما يضرب على عاقلته كما سبق فيما إذا جنى في الردة والإسلام. العاشرة جنى عبد على زيد بإيضاح أو قطع يد أو أصبع أو غيرها ثم قطع عمرو يد العبد ثم جنى العبد على بكر ومات زيد وبكر بالجراحة أو لم يموتا ومات العبد بالقطع لزم عمراً قيمة العبد فحصة اليد منها يخص بها زيد ويتضارب زيد وبكر أو ورثتهما في الباقي زيد بما بقي بعد أخذ حصة اليد وبكر بالجميع لأنه جنى على زيد بتمام بدنه وجنى على بكر ولا يد له ولا حق له في بدلها وأما حصة اليد فالصحيح أنها ما نقص من قيمته بقطع اليد قال الشيخ أبو علي ومن الأصحاب من يغلط فيعتبر أرشها وهو نصف القيمة قال وهذا فاسد من وجهين أحدهما أنه لو قطع يدي زيد ينبغي أن يختص بجميع القيمة ولا يجوز أن يجني على اثنين ثم تكون قيمته فرع في مسائل من فتاوى البغوي ذكرها الرافعي في آخر باب العاقلة منها حفر بئراً عدواناً ثم أحكم رأسها ثم جاء آخر وفتحه فوقع فيها شخص فمات فالضمان على فاتح الرأس ولو أحكم رأسها آخر ففتحه ثالث تعلق الضمان بالثالث ولو وقعت بهيمة في بئر عدوان فلم تتأثر بالصدمة وبقيت فيها أياماً فماتت جوعاً أو عطشاً فلا ضمان على الحافر لحدوث سبب آخر كما لو افترسها سبع في البئر ولو تقاتل رجلان فرمى أحدهما صاحبه فسقط بصولته وتلف فلا ضمان وإن سقط بصولته وضربة صاحبه وجب نصف الضمان ولو شد عنق أحد بعيريه بالآخر وتركهما بالمسرح فدخل بعير رجل بينهما فتلف من جذبة الحبل أحد البعيرين فلا ضمان إلا أن يكون ذلك البعير معروفاً بالإفساد. الطرف الخامس في حكم السحر اعلم أن حكم السحر وقع بعضه في أول الجنايات وبعضه هنا ومعظمه في آخر كتاب دعوى الدم وقد رأيت تقديم هذا الأخير إلى هنا فالساحر قد يأتي بفعل أو قول يتغير به حال المسحور فيمرض ويموت منه وقد يكون ذلك بوصول شيء إلى بدنه من دخان وغيره وقد يكون دونه وقال أبو جعفر الاسترابادي من أصحابنا لا حقيقة للسحر وإنما هو تخييل والصحيح أن له حقيقة كما قدمناه وبه قطع الجمهور وعليه عامة العلماء ويدل عليه الكتاب والسنة الصحيحة المشهورة. ويحرم فعل السحر بالإجماع ومن اعتقد إباحته فهو كافر وإذا قال إنسان تعلمت السحر أو أحسنه استوصف فإن وصفه بما هو كفر فهو كافر بأن يعتقد التقرب إلى الكواكب السبعة قال القفال ولو قال أفعل بالسحر بقدرتي دون قدرة الله تعالى فهو كافر وإن وصفه بما ليس بكفر فليس بكافر. وأما تعلم السحر وتعليمه ففيه ثلاثة أوجه الصحيح الذي قطع به الجمهور أنهما حرامان والثاني مكروهان والثالث مباحان وهذان إذا لم يحتج في تعليمه إلى تقديم اعتقاد هو كفر. قلت قال إمام الحرمين في كتابه الإرشاد لا يظهر السحر إلا على فاسق ولا تظهر الكرامة على فاسق وليس ذلك بمقتضى العقل ولكنه مستفاد من إجماع الأمة وذكر المتولي في كتابه الغنية نحو هذا والله أعلم. واعلم أن التكهن وإتيان الكهان وتعلم الكهانة والتنجيم والضرب بالرمل وبالشعير والحصى وتعليم هذه كلها حرام وأخذ العوض عليها حرام بالنص الصحيح في حلوان الكاهن والباقي بمعناه وقد أوضحت هذا الفصل في تهذيب الأسماء واللغات عند ذكر الحلوان والكهانة ونبهت فيه على النصوص وأقوال العلماء في تحريمه ولا يغتر بجهالة من يتعاطى الرمل وإن نسب نفسه أو نسبه الناس إلى علم كما لا يفتر به فيما يعرفه من حاله من تساهله في الشبهات وبعض المحرمات وأما الحديث الصحيح كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك فمعناه من علمتم موافقته له فلا بأس ونحن لا نعلم الموافقة فلا يجوز لأن الجواز معلق بمعرفة الموافقة والله أعلم. فصل القتل بالسحر لا يثبت بالبينة لأن الشاهد لا يعلم قصد الساحر ولا يشاهد تأثير السحر وإنما يثبت ذلك بإقرار الساحر وقد سبق في الجنايات أنه إذا قال قتلته بسحري وسحري يقتل غالباً فقد أقر بقتل العمد وإن قال وهو يقتل نادراً فهو إقرار بشبه العمد وإن قال أخطأت من اسم غيره إلى اسمه فهو إقرار بالخطأ ثم ديه شبه العمد ودية الخطأ المخففة كلاهما في مال الساحر ولا تطالب العاقلة بشيء إلا أن يصدقوه لأن إقراره عليهم لا يقبل كما سيأتي في باب العاقلة إن شاء الله تعالى وقوله في الوجيز هي على العاقلة خطأ وسبق قلم لم يذكره غيره ولا هو في الوسيط. فرع قال الشافعي رحمه الله في الأم لو قال أمرض بسحري ولا أقتل وأنا سحرت فلاناً فأمرضته فرع إذا قال أمرضته بسحري ولم يمت به بل بسبب آخر نص الشافعي رحمه الله في المختصر أنه لوث يقسم به الولي ويأخذ الدية قال الإمام وفيه قول مخرج إنه ليس بلوث والمذهب والمنصوص في الأم وما عليه الجمهور أنه إن بقي متألماً إلى أن مات حلف الولي وأخذ الدية وذلك قد يثبت بالبينة وقد يثبت باعتراف الساحر وإن ادعى الساحر البرء من ذلك المرض وقد مضت مدة يحتمل البرء فيها فالقول قوله بيمينه وعلى هذا يحمل نص المختصر فرع قال قتلت بسحري جماعة ولم يعين أحداً فلا قصاص ولا يقتل حداً خلافاً لأبي حنيفة رحمه الله. فرع إذا أصاب غيره بالعين واعترف بأنه قتله بالعين فلا قصاص وإن كانت العين حقاً لأنه لا يفضي إلى القتل غالباً ولا يعد مهلكاً. قلت ولا دية فيه أيضاً ولا كفارة ويستحب للعائن أن يدعو للمعين بالبركة فيقول اللهم بارك فيه ولا تضره وأن يقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " العين حق وإذا استغسلتم فاغسلوا " قال العلماء الاستغسال أن يقال للعائن اغسل داخلة إزارك مما يلي الجلد بماء ثم يصب عل المعين وعن عائشة رضي الله عنها قالت كان يؤمر العائن أن يتوضأ ثم يغتسل منه المعين. وقد جاء في هذه المسألة أحاديث في الصحيح وغيره وغيرها أوضحتها في أواخر كتاب الأذكار والله أعلم.
|